تفهم به ما تتلقى , وترد إليه ما يجد من مشكلات وأقضية لم يرد فيها نص وتختلف الأفهام فيها ; والسلطة التي تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانها . . ويقول:إن هذا هو شرط الإيمان وحده الإسلام . .
وعندئذ يلتقي "النظام الأساسي" لهذه الأمة ; بالعقيدة التي تؤمن بها . . في وحدة لا تتجزأ ; ولا تفترق عناصرها . .
وهذا هو الموضوع الخطير الذي يجلوه هذا الدرس جلاء دقيقا كاملا . . وهذه هي القضية التي تبدو , بعد مطالعة هذا الدرس , بديهية يعجب الإنسان كيف يجادل مسلم فيها !
إنه يقول للأمة المسلمة:إن الرسل أرسلت لتطاع - بإذن الله - لا لمجرد الإبلاغ والإقناع:
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). .
ويقول لها:إن الناس لا يؤمنون - ابتداء - إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله ; ممثلا - في حياة الرسول [ ص ] - في أحكام الرسول . وباقيا بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة ; ولا يكفي أن يتحاكموا إليه - ليحسبوا مؤمنين - بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين:
فلا وربك . . لا يؤمنون . . حتى يحكموك فيما شجر بينهم , ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا . . فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام .
ويقول لها:إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - أي إلى غير شريعة الله - لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله . فهو زعم كاذب . يكذبه أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت:
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك , يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا .
ويقول لها:إن علامة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إلى ما أنزل الله والتحاكم إلى رسول الله:
(وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا).
ويقول لها:إن منهجها الإيماني ونظامها الأساسي , أن تطيع الله - عز وجل - في هذا القرآن - وأن تطيع رسول الله [ ص ] في سنته - وأولي الأمر من المؤمنين الداخلين في شرط الإيمان وحد الإسلام معكم:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله , وأطيعوا الرسول . وأولي الأمر منكم). .
ويقول لها:إن المرجع , فيما تختلف فيه وجهات النظر في المسائل الطارئة المتجددة . والأقضية التي لم ترد فها أحكام نصية . . إن المرجع هو الله ورسوله . . أي شريعة الله وسنة رسوله .
(فإن تنازعتم في شيء , فردوه إلى الله والرسول). .
وبهذا يبقى المنهج الرباني مهيمنا على ما يطرأ على الحياة من مشكلات وأقضية كذلك , أبد الدهر , في حياة الأمة المسلمة . . وتمثل هذه القاعدة نظامها الأساسي , الذي لا تكون مؤمنة إلا به , ولا تكون مسلمة إلا بتحقيقه . . إذ هو يجعل الطاعة بشروطها تلك , ورد المسائل التي تجد وتختلف فيها وجهات النظر إلى الله ورسوله . . شرط الإيمان وحد الإسلام . . شرطا واضحا ونصا صريحا:
(إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
ولا ننس ما سبق بيانه عند قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). . من أن اليهود وصموا بالشرك بالله , لأنهم كانوا يتخذون أحبارهم أربابا من دون الله - لا لأنهم عبدوهم - ولكن لأنهم قبلوا منهم التحليل والتحريم ; ومنحوهم حق الحاكمية والتشريع - ابتداء من عند أنفسهم - فجعلوا بذلك مشركين . . الشرك الذي يغفر الله كل ما عداه . حتى الكبائر . . " وإن زنى وإن سرق . وإن شرب الخمر " . . فرد الأمر كله إلى إفراد الله - سبحانه - بالألوهية . ومن ثم إفراده بالحاكمية . فهي أخص خصائص الألوهية . وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلما ويبقى المؤمن مؤمنا . ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . . أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبدا . . إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام . (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . .)
هذا هو الموضوع الخطير الذي يتناوله هذا الدرس . بالإضافة إلى بيان وظيفة الأمة المسلمة في الأرض . من إقرار مبادى ء العدل والخلق على أساس منهج الله القويم السليمإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها . وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . . إن الله نعما يعظكم به . . إن الله كان سميعا بصيرًا . .)
وقد ألممنا به إجمالا . فنأخذ في مواجهة النصوص تفصيلا . .
الدرس الأول:58 واجب الأمة:رد الأمانة والحكم بالعدل
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ; وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . إن الله نعما يعظكم به . إن الله كان سميعا بصيرًا . .
هذه هي تكاليف الجماعة المسلمة ; وهذا هو خلقها:أداء الأمانات إلى أهلها . والحكم بين(الناس)بالعدل . على منهج الله وتعليمه .
والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى . . الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان ; والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها , وحملها "الإنسان" . . أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه . فهذه أمانة الفطرة الإنسانية خاصة . فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به , والاهتداء إليه , ومعرفته , وعبادته , وطاعته . وألزمه طاعة ناموسه بغير جهد منه ولا قصد ولا إرادة ولا اتجاه . والإنسان وحده هو الذي وكل إلى فطرته , وإلى عقله , وإلى معرفته , وإلى إرادته , وإلى اتجاهه , وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله , بعون من الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). . وهذه أمانة حملها وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من الأمانات .
ومن هذه الأمانة الكبرى , تنبثق سائر الأمانات , التي يأمر الله أن تؤدى:
ومن هذه الأمانات:أمانة الشهادة لهذا الدين . . الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له . ترجمة حية في شعورها وسلوكها . حتى يرى الناس صورة الإيمان في هذه النفس . فيقولوا:ما أطيب هذا الإيمان وأحسنة وأزكاه ; وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال ! فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون . . والشهادة له بدعوة الناس إليه , وبيان فضله ومزيته - بعد تمثل هذا الفضل وهذه المزية في نفس الداعية - فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه , إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك , وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان . وهي إحدى الأمانات . .
ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض ; منهجا للجماعة المؤمنة ; ومنهجا للبشرية جميعا . . المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيلة , وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة . فإقرار هذا المنهج في حياة البشر هو كبرى الأمانات ; بعد الإيمان الذاتي . ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة . . ومن ثم ف " الجهاد ماض إلى يوم القيامة " على هذا الأساس . . أداء لإحدى الأمانات . .
ومن هذه الأمانات - الداخلة في ثنايا - ما سبق - أمانة التعامل مع الناس ; ورد أماناتهم إليهم:أمانة المعاملات والودائع المادية . وأمانة النصيحة للراعي وللرعية . وأمانة القيام على الأطفال الناشئة . وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها . . وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال . . فهذه من الأمانات التي يأمر الله أن تؤدي ; ويجملها النص هذا الإجمال . .
فأما الحكم بالعدل بين(الناس)فالنص يطلقه هكذا عدلا شاملا بين(الناس)جميعا . لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب . ولا عدلا مع أهل الكتاب , دون سائر الناس . . وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه "إنسانًا" . فهذه الصفة - صفة الناس - هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني . وهذه الصفة يلتقي عليها البشر جميعا:مؤمنين وكفارا . أصدقاء وأعداء . سودا وبيضا . عربا وعجما . والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل - متى حكمت في أمرهم - هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط - في هذه الصورة - إلا على يد الإسلام , وإلا في حكم المسلمين , وإلا في عهد القيادة الإسلامية للبشرية . . والذي افتقدته من قبل ومن بعد هذه القيادة ; فلم تذق له طعما قط , في مثل هذه الصورة الكريمة التي تتاح للناس جميعا . لأنهم "ناس" ! لا لأية صفة أخرى زائدة عن هذا الأصل الذي يشترك فيه(الناس)!
وذلك هو أساس الحكم في الإسلام ; كما أن الأمانة - بكل مدلولاتها - هي أساس الحياة في المجتمع الإسلامي .
والتعقيب على الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ; والحكم بين الناس بالعدل ; هو التذكير بأنه من وعظ الله - سبحانه - وتوجيهه . ونعم ما يعظ الله به ويوجه:
(إن الله نعما يعظكم به). .
ونقف لحظة أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه . فالأصل في تركيب الجملة:إنه نعم ما يعظكم الله به . . ولكن التعبير يقدم لفظ الجلالة , فيجعله "اسم إن" ويجعل نعم ما "نعمًا ومتعلقاتها , في مكان" خبر إن "بعد حذف الخبر . . ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله - سبحانه - وهذا الذي يعظهم به . .
ثم إنها لم تكن "عظة " إنما كانت "أمرًا . . ولكن التعبير يسميه عظة . لأن العظة أبلغ إلى القلب , وإسرع إلى الوجدان , وأقرب إلى التنفيذ المنبعث عن التطوع والرغبة الحياء !
ثم يجيء التعقيب الأخير في الآية ; يعلق الأمر بالله ومراقبته وخشيته ورجائه:
إن الله كان سميعا بصيرًا . .
والتناسق بين المأمور به من التكاليف ; وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس ; وبين كون الله سبحانه (سميعا بصيرًا)مناسبة واضحة ولطيفة معا . . فالله يسمع ويبصر , قضايا العدل وقضايا الأمانة . والعدل كذلك في حاجة إلى الاستماع البصير وإلى حسن التقدير , وإلى مراعاة الملابسات والظواهر , وإلى التعمق فيما وراءالملابسات والظواهر . وأخيرا فإن الأمر بهما يصدر عن السميع البصير بكل الأمور .
الدرس الثاني 59:الميزان طاعة الله ورسوله ورد الأمر إلى الله ورسوله
وبعد فالأمانة والعدل . . ما مقياسهما ? ما منهج تصورهما وتحديدهما وتنفيذهما ? في كل مجال في الحياة , وفي كل نشاط للحياة ?
أنترك مدلول الأمانة والعدل ; ووسائل تطبيقها وتحقيقهما إلى عرف الناس واصطلشكرام ? وإلى ما تحكم به عقولهم - أو أهواؤهم ?
إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان . . هذا حق . . ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات , متأثرا بشتى المؤثرات . . ليس هناك ما يسمى "العقل البشري" كمدلول مطلق ! إنما هناك عقلي وعقلك , وعقل فلان وعلان , وعقول هذه المجموعة من البشر , في مكان ما وفي زمان ما . . وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى ; تميل بها من هنا وتميل بها من هناك . .
ولا بد من ميزان ثابت , ترجع إليه هذه العقول الكثيرة ; فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها . ومدى الشطط والغلو , أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات . وقيمة العقل البشري هنا هو أنه الأداة المهيأة للإنسان , ليعرف بها وزن أحكامه في هذا الميزان . . الميزان الثابت , الذي لا يميل مع الهوى , ولا يتأثر بشتى المؤثرات . .
ولا عبرة بما يضعه البشر أنفسهم من موازين . . فقد يكون الخلل في هذه الموازين ذاتها . فتختل جميع القيم . . ما لم يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت القويم .
والله يضع هذا الميزان للبشر , للأمانة والعدل , ولسائر القيم , وسائر الأحكام , وسائر أوجه النشاط , في كل حقل من حقول الحياة:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ; وأطيعوا الرسول , وأولي الأمر . . منكم . . فإن تنازعتم في شيء , فردوه إلى الله والرسول . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا). .
وفي هذا النص القصير يبين الله - سبحانه - شرط الإيمان وحد الإسلام . في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة ; وقاعدة الحكم , ومصدر السلطان . . وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده ; والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا , من جزيئات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال ; مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام . . ليكون هنالك الميزان الثابت , الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام !
إن "الحاكمية " لله وحده في حياة البشر - ما جل منها وما دق , وما كبر منها وما صغر - والله قد سن شريعة أودعها قرآنه . وأرسل بها رسولا يبينها للناس . ولا ينطق عن الهوى . فسنته [ ص ] من ثم شريعة من شريعة الله .
والله واجب الطاعة . ومن خصائص ألوهيته أن يسن الشريعة . فشريعته واجبة التنفيذ . وعلى الذين آمنوا أن يطيعوا الله - ابتداء - وأن يطيعوا الرسول - بما له من هذه الصفة . صفة الرسالة من الله - فطاعته إذن من طاعة الله , الذي أرسله بهذه الشريعة , وببيانها للناس في سنته . . وسنته وقضاؤه - على هذا - جزء من الشريعة واجب النفاذ . . والإيمان يتعلق - وجودا وعدما - بهذه الطاعة وهذا التنفيذ - بنص القرآن:
(إن كنم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
فأما أولو الأمر ; فالنص يعين من هم .
(وأولي الأمر . . منكم . .)
أي من المؤمنين . . الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان وحد الإسلام المبين في الآية . . من طاعة الله وطاعة الرسول ; وإفراد الله - سبحانه - بالحاكمية وحق التشريع للناس ابتداء ; والتلقي منه وحده - فيما نص عليه - والرجوع إليه أيضا فيما تختلف فيه العقول والأفهام والآراء , مما لم يرد فيه نص ; لتطبيق المبادى ء العامة في النصوص عليه .
والنص يجعل طاعة الله أصلا ; وطاعة رسوله أصلا كذلك - بما أنه مرسل منه - ويجعل طاعة أولي الأمر . . منكم . . تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله . فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم , كما كررها عند ذكر الرسول [ ص ] ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله - بعد أن قرر أنهم(منكم)بقيد الإيمان وشرطه . .
وطاعة أولي الأمر . . منكم . . بعد هذه التقريرات كلها , في حدود المعروف المشروع من الله , والذي لم يرد نص بحرمته ; ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادى ء شريعته , عند الاختلاف فيه . . والسنة تقرر حدود هذه الطاعة , على وجه الجزم واليقين:
في الصحيحين من حديث الأعمش:" إنما الطاعة في المعروف " .
وفيهما من حديث يحيى القطان:" السمع والطاعة على المرء المسلم . فيما أحب أو كره . ما لم يؤمر بمعصية . فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
وأخرج مسلم من حديث أم الحصين:" ولو استعمل عليكم عبد . يقودكم بكتاب الله . اسمعوا له وأطيعوا " . . بهذا يجعل الإسلام كل فرد أمينا على شريعة الله وسنة رسوله . أمينا على إيمانه وهو ودينه . أمينا على نفسه وعقله . أمينا على مصيره في الدنيا والآخرة . . ولا يجعله بهيمة في القطيع ; تزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع ! فالمنهج واضح , وحدود الطاعة واضحة . والشريعة التي تطاع والسنة التي تتبع واحدة لا تتعدد , ولا تتفرق , ولا يتوه فيها الفرد بين الظنون !
ذلك فيما ورد فيه نص صريح . فأما الذي لم يرد فيه نص . وأما الذي يعرض من المشكلات والأقضية , على مدى الزمان وتطور الحاجات واختلاف البيئات - ولا يكون فيه نص قاطع , أو لا يكون فيه نص على الإطلاق . . مما تختلف في تقديره العقول والآراء والأفهام - فإنه لم يترك كذلك تيها . ولم يترك بلا ميزان . ولم يترك بلا منهج للتشريع فيه والتفريع . . ووضع هذا النص القصير , منهج الاجتهاد كله , وحدده بحدوده ; وأقام "الأصل" الذي يحكم منهج الاجتهاد أيضا .
(فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول). .
ردوه إلى النصوص التي تنطبق عليه ضمنا . فإن لم توجد النصوص التي تنطبق على هذا النحو , فردوه إلى المبادى ء الكلية العامة في منهج الله وشريعته . . وهذه ليست عائمة , ولا فوضى , ولا هي من المجهلات التي تتيه فيها العقول كما يحاول بعض المخادعين أن يقول . وهناك - في هذا الدين - مبادى ء أساسية واضحة كل الوضوح , تغطي كل جوانب الحياة الأساسية , وتضع لها سياجا خرقه لا يخفى على الضمير المسلم المضبوطبميزان هذا الدين .
(إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
تلك الطاعة لله والطاعة للرسول , ولأولي الأمر المؤمنين القائمين على شريعة الله وسنة الرسول . ورد ما يتنازع فيه إلى الله والرسول . . هذه وتلك شرط الإيمان بالله واليوم الآخر . كما أنها مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر . .
فلا يوجد الإيمان ابتداء وهذا الشرط مفقود . . ولا يوجد الإيمان , ثم يتخلف عنه أثره الأكيد .
وبعد أن يضع النص المسألة في هذا الوضع الشرطي , يقدمها مرة أخرى في صورة "العظة " والترغيب والتحبيب ; على نحو ما صنع في الأمر بالأمانة والعدل ثم التحبيب فيها والترغيب:
(ذلك خير وأحسن تأويلا . .)
ذلك خير لكم وأحسن مآلا . خير في الدنيا وخير في الآخرة . وأحسن مآلا في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة كذلك . . فليست المسألة أن اتباع هذا المنهج يؤدي إلى رضاء الله وثواب الآخرة - وهو أمر هائل , عظيم - ولكنه كذلك يحقق خير الدنيا وحسن مآل الفرد والجماعة في هذه الحياة القريبة .
أن هذا المنهج معناه:أن يستمتع "الإنسان" بمزايا منهج يضعه له الله . . الله الصانع الحكيم العليم البصير الخبير . . منهج بريء من جهل الإنسان , وهوى الإنسان , وضعف الإنسان . وشهوة الإنسان . . منهج لا محاباة فيه لفرد , ولا لطبقة , ولا لشعب , ولا لجنس , ولا لجيل من البشر على جيل . . لأن الله رب الجميع , ولا تخالجه - سبحانه - وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - شهوة المحاباة لفرد , أو طبقة , أو شعب , أو جنس , أو جيل .
ومنهج من مزاياه , أن صانعه هو صانع هذا الإنسان . . الذي يعلم حقيقة فطرته , والحاجات الحقيقية لهذه الفطرة , كما يعلم منحنيات نفسه ودروبها ; ووسائل خطابها وإصلشكراا , فلا يخبط - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - في تيه التجارب بحثا عن منهج يوافق . ولا يكلف البشر ثمن هذه التجارب القاسية , حين يخبطون هم في التيه بلا دليل ! وحسبهم أن يجربوا في ميدان الإبداع المادي ما يشاءون . فهو مجال فسيح جد فسيح للعقل البشري . وحسبهم كذلك أن يحاول هذا العقل تطبيق ذلك المنهج ; ويدرك مواضع القياس والاجتهاد فيما تتنازع فيه العقول .
ومنهج من مزاياه أن صانعه هو صانع هذا الكون , الذي يعيش فيه الإنسان . فهو يضمن للإنسان منهجا تتلاءم قواعده مع نواميس الكون ; فلا يروح يعارك هذه النواميس . بل يروح يتعرف إليها , ويصادقها , وينتفع بها . . والمنهج يهديه في هذا كله ويحميه .
ومنهج من مزاياه أنه - في الوقت الذي يهدي فيه الإنسان ويحيميه - يكرمه ويحترمه ويجعل لعقله مكانا للعمل في المنهج . . مكان الاجتهاد في فهم النصوص الواردة . ثم الاجتهاد في رد ما لم يرد فيه نص إلى النصوص أو إلى المبادى ء العامة للدين . . ذلك إلى المجال الأصيل , الذي يحكمه العقل البشري , ويعلن فيه سيادته الكاملة:ميدان البحث العلمي في الكون ; والإبداع المادي فيه .
ذلك خير وأحسن تأويلًا . . وصدق الله العظيم .
الدرس الثالث:60 - 65 التحاكم إلى الطاغوت
وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية في شرط الإيمان وحد الإسلام , وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة , وفي منهج تشريعها وأصوله . . يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة ; ثم يزعمون - بعد ذلك - أنهم مؤ
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا . .)
ألم تر إلى هذا العجب العاجب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آن ?! قوم (يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك). ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ? إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر , وإلى منهج آخر , وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان , مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثم فهو . . طاغوت . . طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضا ! وهم لا يفعلون هذا عن جهل , ولا عن ظن . . إنما هم يعلمون يقينا ويعرفون تماما , أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه: (وقد أمروا أن يكفروا به). . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب . .
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة , لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك .
ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله . . ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به:
(وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا).
يا سبحان الله ! إن النفاق يأبى إلا أن يكشف نفسه ! ويأبى إلا أن يناقض بديهيات المنطق الفطري . . وإلا ما كان نفاقا . . .
إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان , أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به , وإلى من آمن به . فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل , وبالرسول وما أنزل إليه . ثم دعي إلى هذا الذي آمن به , ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية . فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية . ويكشف عن النفاق . وينبى ء عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان !
وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله - سبحانه - أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله . ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله . بل يصدون عن ذلك المنهج حين يدعون إليه صدودا !
ثم يعرض مظهرا من مظاهر النفاق في سلوكهم ; حين يقعون في ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ; أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت . ومعاذيرهم عند ذلك . وهي معاذير النفاق:
(فكيف إذا أصابتهم مصيبة - بما قدمت أيديهم - ثم جاؤوك يحلفون بالله:إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا). .
وهذه المصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم في وسط الجماعة المسلمة - يومذاك - حيث يصبحون معرضين للنبذ والمقاطعة والازدراء في الوسط المسلم . فما يطيق المجتمع المسلم أن يرى من بينه ناسا يزعمون أنهم آمنوا بالله وما أنزل , وبالرسول وما أنزل إليه ; ثم يميلون إلى التحاكم لغير شريعة الله ; أو يصدون حين يدعون إلىالتحاكم إليها . . إنما يقبل مثل هذا في مجتمع لا إسلام له ولا إيمان . وكل ما له من الإيمان زعم كزعم هؤلاء ; وكل ما له من الإسلام دعوى وأسماء !
أو قد تصيبهم المصيبة من ظلم يقع بهم ; نتيجة التحاكم إلى غير نظام الله العادل ; ويعودون بالخيبة والندامة من الاحتكام إلى الطاغوت ; في قضية من قضاياهم .
أو قد تصيبهم المصيبة ابتلاء من الله لهم . لعلهم يتفكرون ويهتدون . .
وأياما ما كان سبب المصيبة ; فالنص القرآني , يسأل مستنكرا:فكيف يكون الحال حينئذ ! كيف يعودون إلى الرسول [ ص ]:
(يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا). . .
إنها حال مخزية . . حين يعودون شاعرين بما فعلوا . . غير قادرين على مواجهة الرسول [ ص ] بحقيقة دوافعهم . وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين:أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت - وقد يكون هنا هو عرف الجاهلية - إلا رغبة في الإحسان والتوفيق ! وهي دائما دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته:أنهم يريدون اتقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب , التي تنشأ من الاحتكام إلى شريعة الله ! ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة . . إنها حجة الذين يزعمون الإيمان - وهم غير مؤمنين - وحجة المنافقين الملتوين . . هي هي دائما وفي كل حين !
والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] , أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق , والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء:
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم , وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا). .
أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويحتجون بهذه الحجج , ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم , وأخذهم بالرفق , واطراد الموعظة والتعليم . .
والتعبير العجيب:
وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .
تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس , ويستقر مباشرة في القلوب .
وهو يرغبهم في العودة والتوبة والاستقامة والاطمئنان إلى كنف الله وكنف رسوله . . بعد كل ما بدا منهم من الميل إلى الإحتكام إلى الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول [ ص ] حين يدعون إلى التحاكم إلى الله والرسول . . فالتوبة بابها مفتوح , والعودة إلى الله لم يفت اوانها بعد ; واستغفارهم الله من الذنب , واستغفار الرسول لهم , فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله يقرر القاعدة الأساسية:وهي أن الله قد أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه - لا ليخالف عن أمرهم . ولا ليكونوا مجرد وعاظ ! ومجرد مرشدين !
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله . ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك , فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول , لوجدوا الله توابا رحيمًا . .
وهذه حقيقة لها وزنها . . إن الرسول ليس مجرد "واعظ" يلقي كلمته ويمضي . لتذهب في الهواء - بلا سلطان - كما يقول المخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين لا يفهمون مدلول "الدين" .
إن الدين منهج حياة . منهج حياة واقعية . بتشكيلاتها وتنظيماتها , وأوضاعها , وقيمها , وأخلاقها وآدابها . وعباداتها وشعائرها كذلك .
وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان . سلطان يحقق المنهج , وتخضع له النفوس خضوع طاعة وتنفيذ . . والله أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه وفي حدود شرعه - في تحقيق منهج الدين . منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة . وما من رسول إلا أرسله الله , ليطاع , بإذن الله . فتكون طاعته طاعة لله . . ولم يرسل الرسل لمجرد التأثر الوجداني , والشعائر التعبدية . . فهذا وهم في فهم الدين ; لا يستقيم مع حكمة الله من إرسال الرسل . وهي إقامة منهج معين للحياة , في واقع الحياة . . وإلا فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا . لا يعنيه إلا أن يقول كلمته ويمضي . يستهتر بها المستهترون , ويبتذلها المبتذلون !!!
ومن هنا كان تاريخ الإسلام كما كان . . كان دعوة وبلاغا . ونظام وحكما . وخلافة بعد ذلك عن رسول الله [ ص ] تقوم بقوة الشريعة والنظام , على تنفيذ الشريعة والنظام . لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول . وتحقيق إرادة الله من إرسال الرسول . وليست هنالك صورة أخرى يقال لها:الإسلام . أو يقال لها:الدين . إلا أن تكون طاعة للرسول , محققة في وضع وفي تنظيم . ثم تختلف أشكال هذا الوضع ما تختلف ; ويبقى أصلها الثابت . وحقيقتها التي لا توجد بغيرها . . استسلام لمنهج الله , وتحقيق لمنهج رسول الله . وتحاكم إلى شريعة الله . وطاعة للرسول فيما بلغ عن الله , وإفراد لله - سبحانه - بالألوهية [ شهادة أن لا إله إلا الله ] ومن ثم إفراده بالحاكمية التي تجعل التشريع ابتداء حقا لله , لا يشاركه فيه سواه . وعدم احتكام إلى الطاغوت . في كثير ولا قليل . والرجوع إلى الله والرسول , فيما لم يرد فيه نص من القضايا المستجدة , والأحوال الطارئه ; حين تختلف فيه العقول . .
وأمام الذين (ظلموا أنفسهم)بميلهم عن هذا المنهج , الفرصة التي دعا الله المنافقين إليها على عهد رسول الله , [ ص ] - ورغبهم فيها . .
ولو أنهم - إذ ظلموا أنفسهم - جاؤوك , فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول , لوجدوا الله توابا رحيمًا . .
والله تواب في كل وقت على من يتوب . والله رحيم في كل وقت على من يؤوب . وهو - سبحانه - يصف نفسه بصفته . ويعد العائدين إليه , المستغفرين من الذنب , قبول التوبة وإفاضة الرحمة . . والذين يتناولهم هذا النص ابتداء , كان لديهم فرصة استغفار الرسول [ ص ] وقد انقضت فرصتها . وبقي باب الله مفتوحا لا يغلق . ووعده قائما لا ينقض . فمن أراد فليقدم . ومن عزم فليتقدم . .
وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم . إذ يقسم الله - سبحانه - بذاته العلية , أنه لا يؤمن مؤمن , حتى يحكم رسول الله [ ص ] في أمره كله . ثم يمضي راضيا بحكمه , مسلما بقضائه . ليس في صدره حرج منه , ولا في نفسه تلجلج في قبوله:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت , ويسلموا تسليمًا . .
ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام . يقرره الله سبحانه بنفسه . ويقسم عليه بذاته . فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام , ولا تأويل لمؤول .
اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام . . وهي أن هذا القول مرهون بزمان , وموقوف على طائفة من الناس ! وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا ; ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا . فهذه حقيقة كلية
وعندئذ يلتقي "النظام الأساسي" لهذه الأمة ; بالعقيدة التي تؤمن بها . . في وحدة لا تتجزأ ; ولا تفترق عناصرها . .
وهذا هو الموضوع الخطير الذي يجلوه هذا الدرس جلاء دقيقا كاملا . . وهذه هي القضية التي تبدو , بعد مطالعة هذا الدرس , بديهية يعجب الإنسان كيف يجادل مسلم فيها !
إنه يقول للأمة المسلمة:إن الرسل أرسلت لتطاع - بإذن الله - لا لمجرد الإبلاغ والإقناع:
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله). .
ويقول لها:إن الناس لا يؤمنون - ابتداء - إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله ; ممثلا - في حياة الرسول [ ص ] - في أحكام الرسول . وباقيا بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة ; ولا يكفي أن يتحاكموا إليه - ليحسبوا مؤمنين - بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين:
فلا وربك . . لا يؤمنون . . حتى يحكموك فيما شجر بينهم , ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا . . فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام .
ويقول لها:إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - أي إلى غير شريعة الله - لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله . فهو زعم كاذب . يكذبه أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت:
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك , يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا .
ويقول لها:إن علامة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إلى ما أنزل الله والتحاكم إلى رسول الله:
(وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا).
ويقول لها:إن منهجها الإيماني ونظامها الأساسي , أن تطيع الله - عز وجل - في هذا القرآن - وأن تطيع رسول الله [ ص ] في سنته - وأولي الأمر من المؤمنين الداخلين في شرط الإيمان وحد الإسلام معكم:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله , وأطيعوا الرسول . وأولي الأمر منكم). .
ويقول لها:إن المرجع , فيما تختلف فيه وجهات النظر في المسائل الطارئة المتجددة . والأقضية التي لم ترد فها أحكام نصية . . إن المرجع هو الله ورسوله . . أي شريعة الله وسنة رسوله .
(فإن تنازعتم في شيء , فردوه إلى الله والرسول). .
وبهذا يبقى المنهج الرباني مهيمنا على ما يطرأ على الحياة من مشكلات وأقضية كذلك , أبد الدهر , في حياة الأمة المسلمة . . وتمثل هذه القاعدة نظامها الأساسي , الذي لا تكون مؤمنة إلا به , ولا تكون مسلمة إلا بتحقيقه . . إذ هو يجعل الطاعة بشروطها تلك , ورد المسائل التي تجد وتختلف فيها وجهات النظر إلى الله ورسوله . . شرط الإيمان وحد الإسلام . . شرطا واضحا ونصا صريحا:
(إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
ولا ننس ما سبق بيانه عند قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به , ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). . من أن اليهود وصموا بالشرك بالله , لأنهم كانوا يتخذون أحبارهم أربابا من دون الله - لا لأنهم عبدوهم - ولكن لأنهم قبلوا منهم التحليل والتحريم ; ومنحوهم حق الحاكمية والتشريع - ابتداء من عند أنفسهم - فجعلوا بذلك مشركين . . الشرك الذي يغفر الله كل ما عداه . حتى الكبائر . . " وإن زنى وإن سرق . وإن شرب الخمر " . . فرد الأمر كله إلى إفراد الله - سبحانه - بالألوهية . ومن ثم إفراده بالحاكمية . فهي أخص خصائص الألوهية . وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلما ويبقى المؤمن مؤمنا . ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره . . أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبدا . . إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام . (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . .)
هذا هو الموضوع الخطير الذي يتناوله هذا الدرس . بالإضافة إلى بيان وظيفة الأمة المسلمة في الأرض . من إقرار مبادى ء العدل والخلق على أساس منهج الله القويم السليمإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها . وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . . إن الله نعما يعظكم به . . إن الله كان سميعا بصيرًا . .)
وقد ألممنا به إجمالا . فنأخذ في مواجهة النصوص تفصيلا . .
الدرس الأول:58 واجب الأمة:رد الأمانة والحكم بالعدل
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ; وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . إن الله نعما يعظكم به . إن الله كان سميعا بصيرًا . .
هذه هي تكاليف الجماعة المسلمة ; وهذا هو خلقها:أداء الأمانات إلى أهلها . والحكم بين(الناس)بالعدل . على منهج الله وتعليمه .
والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى . . الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان ; والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها , وحملها "الإنسان" . . أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه . فهذه أمانة الفطرة الإنسانية خاصة . فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به , والاهتداء إليه , ومعرفته , وعبادته , وطاعته . وألزمه طاعة ناموسه بغير جهد منه ولا قصد ولا إرادة ولا اتجاه . والإنسان وحده هو الذي وكل إلى فطرته , وإلى عقله , وإلى معرفته , وإلى إرادته , وإلى اتجاهه , وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله , بعون من الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). . وهذه أمانة حملها وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من الأمانات .
ومن هذه الأمانة الكبرى , تنبثق سائر الأمانات , التي يأمر الله أن تؤدى:
ومن هذه الأمانات:أمانة الشهادة لهذا الدين . . الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له . ترجمة حية في شعورها وسلوكها . حتى يرى الناس صورة الإيمان في هذه النفس . فيقولوا:ما أطيب هذا الإيمان وأحسنة وأزكاه ; وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال ! فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون . . والشهادة له بدعوة الناس إليه , وبيان فضله ومزيته - بعد تمثل هذا الفضل وهذه المزية في نفس الداعية - فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه , إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك , وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان . وهي إحدى الأمانات . .
ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض ; منهجا للجماعة المؤمنة ; ومنهجا للبشرية جميعا . . المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيلة , وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة . فإقرار هذا المنهج في حياة البشر هو كبرى الأمانات ; بعد الإيمان الذاتي . ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة . . ومن ثم ف " الجهاد ماض إلى يوم القيامة " على هذا الأساس . . أداء لإحدى الأمانات . .
ومن هذه الأمانات - الداخلة في ثنايا - ما سبق - أمانة التعامل مع الناس ; ورد أماناتهم إليهم:أمانة المعاملات والودائع المادية . وأمانة النصيحة للراعي وللرعية . وأمانة القيام على الأطفال الناشئة . وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها . . وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال . . فهذه من الأمانات التي يأمر الله أن تؤدي ; ويجملها النص هذا الإجمال . .
فأما الحكم بالعدل بين(الناس)فالنص يطلقه هكذا عدلا شاملا بين(الناس)جميعا . لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب . ولا عدلا مع أهل الكتاب , دون سائر الناس . . وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه "إنسانًا" . فهذه الصفة - صفة الناس - هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني . وهذه الصفة يلتقي عليها البشر جميعا:مؤمنين وكفارا . أصدقاء وأعداء . سودا وبيضا . عربا وعجما . والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل - متى حكمت في أمرهم - هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط - في هذه الصورة - إلا على يد الإسلام , وإلا في حكم المسلمين , وإلا في عهد القيادة الإسلامية للبشرية . . والذي افتقدته من قبل ومن بعد هذه القيادة ; فلم تذق له طعما قط , في مثل هذه الصورة الكريمة التي تتاح للناس جميعا . لأنهم "ناس" ! لا لأية صفة أخرى زائدة عن هذا الأصل الذي يشترك فيه(الناس)!
وذلك هو أساس الحكم في الإسلام ; كما أن الأمانة - بكل مدلولاتها - هي أساس الحياة في المجتمع الإسلامي .
والتعقيب على الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ; والحكم بين الناس بالعدل ; هو التذكير بأنه من وعظ الله - سبحانه - وتوجيهه . ونعم ما يعظ الله به ويوجه:
(إن الله نعما يعظكم به). .
ونقف لحظة أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه . فالأصل في تركيب الجملة:إنه نعم ما يعظكم الله به . . ولكن التعبير يقدم لفظ الجلالة , فيجعله "اسم إن" ويجعل نعم ما "نعمًا ومتعلقاتها , في مكان" خبر إن "بعد حذف الخبر . . ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله - سبحانه - وهذا الذي يعظهم به . .
ثم إنها لم تكن "عظة " إنما كانت "أمرًا . . ولكن التعبير يسميه عظة . لأن العظة أبلغ إلى القلب , وإسرع إلى الوجدان , وأقرب إلى التنفيذ المنبعث عن التطوع والرغبة الحياء !
ثم يجيء التعقيب الأخير في الآية ; يعلق الأمر بالله ومراقبته وخشيته ورجائه:
إن الله كان سميعا بصيرًا . .
والتناسق بين المأمور به من التكاليف ; وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس ; وبين كون الله سبحانه (سميعا بصيرًا)مناسبة واضحة ولطيفة معا . . فالله يسمع ويبصر , قضايا العدل وقضايا الأمانة . والعدل كذلك في حاجة إلى الاستماع البصير وإلى حسن التقدير , وإلى مراعاة الملابسات والظواهر , وإلى التعمق فيما وراءالملابسات والظواهر . وأخيرا فإن الأمر بهما يصدر عن السميع البصير بكل الأمور .
الدرس الثاني 59:الميزان طاعة الله ورسوله ورد الأمر إلى الله ورسوله
وبعد فالأمانة والعدل . . ما مقياسهما ? ما منهج تصورهما وتحديدهما وتنفيذهما ? في كل مجال في الحياة , وفي كل نشاط للحياة ?
أنترك مدلول الأمانة والعدل ; ووسائل تطبيقها وتحقيقهما إلى عرف الناس واصطلشكرام ? وإلى ما تحكم به عقولهم - أو أهواؤهم ?
إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان . . هذا حق . . ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات , متأثرا بشتى المؤثرات . . ليس هناك ما يسمى "العقل البشري" كمدلول مطلق ! إنما هناك عقلي وعقلك , وعقل فلان وعلان , وعقول هذه المجموعة من البشر , في مكان ما وفي زمان ما . . وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى ; تميل بها من هنا وتميل بها من هناك . .
ولا بد من ميزان ثابت , ترجع إليه هذه العقول الكثيرة ; فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها . ومدى الشطط والغلو , أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات . وقيمة العقل البشري هنا هو أنه الأداة المهيأة للإنسان , ليعرف بها وزن أحكامه في هذا الميزان . . الميزان الثابت , الذي لا يميل مع الهوى , ولا يتأثر بشتى المؤثرات . .
ولا عبرة بما يضعه البشر أنفسهم من موازين . . فقد يكون الخلل في هذه الموازين ذاتها . فتختل جميع القيم . . ما لم يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت القويم .
والله يضع هذا الميزان للبشر , للأمانة والعدل , ولسائر القيم , وسائر الأحكام , وسائر أوجه النشاط , في كل حقل من حقول الحياة:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ; وأطيعوا الرسول , وأولي الأمر . . منكم . . فإن تنازعتم في شيء , فردوه إلى الله والرسول . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا). .
وفي هذا النص القصير يبين الله - سبحانه - شرط الإيمان وحد الإسلام . في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة ; وقاعدة الحكم , ومصدر السلطان . . وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده ; والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا , من جزيئات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال ; مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام . . ليكون هنالك الميزان الثابت , الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام !
إن "الحاكمية " لله وحده في حياة البشر - ما جل منها وما دق , وما كبر منها وما صغر - والله قد سن شريعة أودعها قرآنه . وأرسل بها رسولا يبينها للناس . ولا ينطق عن الهوى . فسنته [ ص ] من ثم شريعة من شريعة الله .
والله واجب الطاعة . ومن خصائص ألوهيته أن يسن الشريعة . فشريعته واجبة التنفيذ . وعلى الذين آمنوا أن يطيعوا الله - ابتداء - وأن يطيعوا الرسول - بما له من هذه الصفة . صفة الرسالة من الله - فطاعته إذن من طاعة الله , الذي أرسله بهذه الشريعة , وببيانها للناس في سنته . . وسنته وقضاؤه - على هذا - جزء من الشريعة واجب النفاذ . . والإيمان يتعلق - وجودا وعدما - بهذه الطاعة وهذا التنفيذ - بنص القرآن:
(إن كنم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
فأما أولو الأمر ; فالنص يعين من هم .
(وأولي الأمر . . منكم . .)
أي من المؤمنين . . الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان وحد الإسلام المبين في الآية . . من طاعة الله وطاعة الرسول ; وإفراد الله - سبحانه - بالحاكمية وحق التشريع للناس ابتداء ; والتلقي منه وحده - فيما نص عليه - والرجوع إليه أيضا فيما تختلف فيه العقول والأفهام والآراء , مما لم يرد فيه نص ; لتطبيق المبادى ء العامة في النصوص عليه .
والنص يجعل طاعة الله أصلا ; وطاعة رسوله أصلا كذلك - بما أنه مرسل منه - ويجعل طاعة أولي الأمر . . منكم . . تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله . فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم , كما كررها عند ذكر الرسول [ ص ] ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله - بعد أن قرر أنهم(منكم)بقيد الإيمان وشرطه . .
وطاعة أولي الأمر . . منكم . . بعد هذه التقريرات كلها , في حدود المعروف المشروع من الله , والذي لم يرد نص بحرمته ; ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادى ء شريعته , عند الاختلاف فيه . . والسنة تقرر حدود هذه الطاعة , على وجه الجزم واليقين:
في الصحيحين من حديث الأعمش:" إنما الطاعة في المعروف " .
وفيهما من حديث يحيى القطان:" السمع والطاعة على المرء المسلم . فيما أحب أو كره . ما لم يؤمر بمعصية . فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
وأخرج مسلم من حديث أم الحصين:" ولو استعمل عليكم عبد . يقودكم بكتاب الله . اسمعوا له وأطيعوا " . . بهذا يجعل الإسلام كل فرد أمينا على شريعة الله وسنة رسوله . أمينا على إيمانه وهو ودينه . أمينا على نفسه وعقله . أمينا على مصيره في الدنيا والآخرة . . ولا يجعله بهيمة في القطيع ; تزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع ! فالمنهج واضح , وحدود الطاعة واضحة . والشريعة التي تطاع والسنة التي تتبع واحدة لا تتعدد , ولا تتفرق , ولا يتوه فيها الفرد بين الظنون !
ذلك فيما ورد فيه نص صريح . فأما الذي لم يرد فيه نص . وأما الذي يعرض من المشكلات والأقضية , على مدى الزمان وتطور الحاجات واختلاف البيئات - ولا يكون فيه نص قاطع , أو لا يكون فيه نص على الإطلاق . . مما تختلف في تقديره العقول والآراء والأفهام - فإنه لم يترك كذلك تيها . ولم يترك بلا ميزان . ولم يترك بلا منهج للتشريع فيه والتفريع . . ووضع هذا النص القصير , منهج الاجتهاد كله , وحدده بحدوده ; وأقام "الأصل" الذي يحكم منهج الاجتهاد أيضا .
(فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول). .
ردوه إلى النصوص التي تنطبق عليه ضمنا . فإن لم توجد النصوص التي تنطبق على هذا النحو , فردوه إلى المبادى ء الكلية العامة في منهج الله وشريعته . . وهذه ليست عائمة , ولا فوضى , ولا هي من المجهلات التي تتيه فيها العقول كما يحاول بعض المخادعين أن يقول . وهناك - في هذا الدين - مبادى ء أساسية واضحة كل الوضوح , تغطي كل جوانب الحياة الأساسية , وتضع لها سياجا خرقه لا يخفى على الضمير المسلم المضبوطبميزان هذا الدين .
(إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر). .
تلك الطاعة لله والطاعة للرسول , ولأولي الأمر المؤمنين القائمين على شريعة الله وسنة الرسول . ورد ما يتنازع فيه إلى الله والرسول . . هذه وتلك شرط الإيمان بالله واليوم الآخر . كما أنها مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر . .
فلا يوجد الإيمان ابتداء وهذا الشرط مفقود . . ولا يوجد الإيمان , ثم يتخلف عنه أثره الأكيد .
وبعد أن يضع النص المسألة في هذا الوضع الشرطي , يقدمها مرة أخرى في صورة "العظة " والترغيب والتحبيب ; على نحو ما صنع في الأمر بالأمانة والعدل ثم التحبيب فيها والترغيب:
(ذلك خير وأحسن تأويلا . .)
ذلك خير لكم وأحسن مآلا . خير في الدنيا وخير في الآخرة . وأحسن مآلا في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة كذلك . . فليست المسألة أن اتباع هذا المنهج يؤدي إلى رضاء الله وثواب الآخرة - وهو أمر هائل , عظيم - ولكنه كذلك يحقق خير الدنيا وحسن مآل الفرد والجماعة في هذه الحياة القريبة .
أن هذا المنهج معناه:أن يستمتع "الإنسان" بمزايا منهج يضعه له الله . . الله الصانع الحكيم العليم البصير الخبير . . منهج بريء من جهل الإنسان , وهوى الإنسان , وضعف الإنسان . وشهوة الإنسان . . منهج لا محاباة فيه لفرد , ولا لطبقة , ولا لشعب , ولا لجنس , ولا لجيل من البشر على جيل . . لأن الله رب الجميع , ولا تخالجه - سبحانه - وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - شهوة المحاباة لفرد , أو طبقة , أو شعب , أو جنس , أو جيل .
ومنهج من مزاياه , أن صانعه هو صانع هذا الإنسان . . الذي يعلم حقيقة فطرته , والحاجات الحقيقية لهذه الفطرة , كما يعلم منحنيات نفسه ودروبها ; ووسائل خطابها وإصلشكراا , فلا يخبط - سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - في تيه التجارب بحثا عن منهج يوافق . ولا يكلف البشر ثمن هذه التجارب القاسية , حين يخبطون هم في التيه بلا دليل ! وحسبهم أن يجربوا في ميدان الإبداع المادي ما يشاءون . فهو مجال فسيح جد فسيح للعقل البشري . وحسبهم كذلك أن يحاول هذا العقل تطبيق ذلك المنهج ; ويدرك مواضع القياس والاجتهاد فيما تتنازع فيه العقول .
ومنهج من مزاياه أن صانعه هو صانع هذا الكون , الذي يعيش فيه الإنسان . فهو يضمن للإنسان منهجا تتلاءم قواعده مع نواميس الكون ; فلا يروح يعارك هذه النواميس . بل يروح يتعرف إليها , ويصادقها , وينتفع بها . . والمنهج يهديه في هذا كله ويحميه .
ومنهج من مزاياه أنه - في الوقت الذي يهدي فيه الإنسان ويحيميه - يكرمه ويحترمه ويجعل لعقله مكانا للعمل في المنهج . . مكان الاجتهاد في فهم النصوص الواردة . ثم الاجتهاد في رد ما لم يرد فيه نص إلى النصوص أو إلى المبادى ء العامة للدين . . ذلك إلى المجال الأصيل , الذي يحكمه العقل البشري , ويعلن فيه سيادته الكاملة:ميدان البحث العلمي في الكون ; والإبداع المادي فيه .
ذلك خير وأحسن تأويلًا . . وصدق الله العظيم .
الدرس الثالث:60 - 65 التحاكم إلى الطاغوت
وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية في شرط الإيمان وحد الإسلام , وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة , وفي منهج تشريعها وأصوله . . يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة ; ثم يزعمون - بعد ذلك - أنهم مؤ
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت - وقد أمروا أن يكفروا به - ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا . .)
ألم تر إلى هذا العجب العاجب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آن ?! قوم (يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك). ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ? إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر , وإلى منهج آخر , وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان , مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثم فهو . . طاغوت . . طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضا ! وهم لا يفعلون هذا عن جهل , ولا عن ظن . . إنما هم يعلمون يقينا ويعرفون تماما , أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه: (وقد أمروا أن يكفروا به). . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب . .
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا . .
فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة , لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك .
ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله . . ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به:
(وإذا قيل لهم:تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا).
يا سبحان الله ! إن النفاق يأبى إلا أن يكشف نفسه ! ويأبى إلا أن يناقض بديهيات المنطق الفطري . . وإلا ما كان نفاقا . . .
إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان , أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به , وإلى من آمن به . فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل , وبالرسول وما أنزل إليه . ثم دعي إلى هذا الذي آمن به , ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية . فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية . ويكشف عن النفاق . وينبى ء عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان !
وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله - سبحانه - أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله . ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله . بل يصدون عن ذلك المنهج حين يدعون إليه صدودا !
ثم يعرض مظهرا من مظاهر النفاق في سلوكهم ; حين يقعون في ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ; أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت . ومعاذيرهم عند ذلك . وهي معاذير النفاق:
(فكيف إذا أصابتهم مصيبة - بما قدمت أيديهم - ثم جاؤوك يحلفون بالله:إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا). .
وهذه المصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم في وسط الجماعة المسلمة - يومذاك - حيث يصبحون معرضين للنبذ والمقاطعة والازدراء في الوسط المسلم . فما يطيق المجتمع المسلم أن يرى من بينه ناسا يزعمون أنهم آمنوا بالله وما أنزل , وبالرسول وما أنزل إليه ; ثم يميلون إلى التحاكم لغير شريعة الله ; أو يصدون حين يدعون إلىالتحاكم إليها . . إنما يقبل مثل هذا في مجتمع لا إسلام له ولا إيمان . وكل ما له من الإيمان زعم كزعم هؤلاء ; وكل ما له من الإسلام دعوى وأسماء !
أو قد تصيبهم المصيبة من ظلم يقع بهم ; نتيجة التحاكم إلى غير نظام الله العادل ; ويعودون بالخيبة والندامة من الاحتكام إلى الطاغوت ; في قضية من قضاياهم .
أو قد تصيبهم المصيبة ابتلاء من الله لهم . لعلهم يتفكرون ويهتدون . .
وأياما ما كان سبب المصيبة ; فالنص القرآني , يسأل مستنكرا:فكيف يكون الحال حينئذ ! كيف يعودون إلى الرسول [ ص ]:
(يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا). . .
إنها حال مخزية . . حين يعودون شاعرين بما فعلوا . . غير قادرين على مواجهة الرسول [ ص ] بحقيقة دوافعهم . وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين:أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت - وقد يكون هنا هو عرف الجاهلية - إلا رغبة في الإحسان والتوفيق ! وهي دائما دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته:أنهم يريدون اتقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب , التي تنشأ من الاحتكام إلى شريعة الله ! ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة . . إنها حجة الذين يزعمون الإيمان - وهم غير مؤمنين - وحجة المنافقين الملتوين . . هي هي دائما وفي كل حين !
والله - سبحانه - يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله [ ص ] , أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق , والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء:
(أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم , وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا). .
أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويحتجون بهذه الحجج , ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت متبعة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم , وأخذهم بالرفق , واطراد الموعظة والتعليم . .
والتعبير العجيب:
وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا .
تعبير مصور . . كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس , ويستقر مباشرة في القلوب .
وهو يرغبهم في العودة والتوبة والاستقامة والاطمئنان إلى كنف الله وكنف رسوله . . بعد كل ما بدا منهم من الميل إلى الإحتكام إلى الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول [ ص ] حين يدعون إلى التحاكم إلى الله والرسول . . فالتوبة بابها مفتوح , والعودة إلى الله لم يفت اوانها بعد ; واستغفارهم الله من الذنب , واستغفار الرسول لهم , فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله يقرر القاعدة الأساسية:وهي أن الله قد أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه - لا ليخالف عن أمرهم . ولا ليكونوا مجرد وعاظ ! ومجرد مرشدين !
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله . ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك , فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول , لوجدوا الله توابا رحيمًا . .
وهذه حقيقة لها وزنها . . إن الرسول ليس مجرد "واعظ" يلقي كلمته ويمضي . لتذهب في الهواء - بلا سلطان - كما يقول المخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين لا يفهمون مدلول "الدين" .
إن الدين منهج حياة . منهج حياة واقعية . بتشكيلاتها وتنظيماتها , وأوضاعها , وقيمها , وأخلاقها وآدابها . وعباداتها وشعائرها كذلك .
وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان . سلطان يحقق المنهج , وتخضع له النفوس خضوع طاعة وتنفيذ . . والله أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه وفي حدود شرعه - في تحقيق منهج الدين . منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة . وما من رسول إلا أرسله الله , ليطاع , بإذن الله . فتكون طاعته طاعة لله . . ولم يرسل الرسل لمجرد التأثر الوجداني , والشعائر التعبدية . . فهذا وهم في فهم الدين ; لا يستقيم مع حكمة الله من إرسال الرسل . وهي إقامة منهج معين للحياة , في واقع الحياة . . وإلا فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا . لا يعنيه إلا أن يقول كلمته ويمضي . يستهتر بها المستهترون , ويبتذلها المبتذلون !!!
ومن هنا كان تاريخ الإسلام كما كان . . كان دعوة وبلاغا . ونظام وحكما . وخلافة بعد ذلك عن رسول الله [ ص ] تقوم بقوة الشريعة والنظام , على تنفيذ الشريعة والنظام . لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول . وتحقيق إرادة الله من إرسال الرسول . وليست هنالك صورة أخرى يقال لها:الإسلام . أو يقال لها:الدين . إلا أن تكون طاعة للرسول , محققة في وضع وفي تنظيم . ثم تختلف أشكال هذا الوضع ما تختلف ; ويبقى أصلها الثابت . وحقيقتها التي لا توجد بغيرها . . استسلام لمنهج الله , وتحقيق لمنهج رسول الله . وتحاكم إلى شريعة الله . وطاعة للرسول فيما بلغ عن الله , وإفراد لله - سبحانه - بالألوهية [ شهادة أن لا إله إلا الله ] ومن ثم إفراده بالحاكمية التي تجعل التشريع ابتداء حقا لله , لا يشاركه فيه سواه . وعدم احتكام إلى الطاغوت . في كثير ولا قليل . والرجوع إلى الله والرسول , فيما لم يرد فيه نص من القضايا المستجدة , والأحوال الطارئه ; حين تختلف فيه العقول . .
وأمام الذين (ظلموا أنفسهم)بميلهم عن هذا المنهج , الفرصة التي دعا الله المنافقين إليها على عهد رسول الله , [ ص ] - ورغبهم فيها . .
ولو أنهم - إذ ظلموا أنفسهم - جاؤوك , فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول , لوجدوا الله توابا رحيمًا . .
والله تواب في كل وقت على من يتوب . والله رحيم في كل وقت على من يؤوب . وهو - سبحانه - يصف نفسه بصفته . ويعد العائدين إليه , المستغفرين من الذنب , قبول التوبة وإفاضة الرحمة . . والذين يتناولهم هذا النص ابتداء , كان لديهم فرصة استغفار الرسول [ ص ] وقد انقضت فرصتها . وبقي باب الله مفتوحا لا يغلق . ووعده قائما لا ينقض . فمن أراد فليقدم . ومن عزم فليتقدم . .
وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم . إذ يقسم الله - سبحانه - بذاته العلية , أنه لا يؤمن مؤمن , حتى يحكم رسول الله [ ص ] في أمره كله . ثم يمضي راضيا بحكمه , مسلما بقضائه . ليس في صدره حرج منه , ولا في نفسه تلجلج في قبوله:
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم . ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت , ويسلموا تسليمًا . .
ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام . يقرره الله سبحانه بنفسه . ويقسم عليه بذاته . فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام , ولا تأويل لمؤول .
اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام . . وهي أن هذا القول مرهون بزمان , وموقوف على طائفة من الناس ! وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا ; ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا . فهذه حقيقة كلية